الضوء الأزرق أو كيف يمكن لكتاب أن يشفيك

ظللت مدة طويلة جدا لا أقدر فيها على أن أمسك كتابا وأقرأ منه بضع صفحات ، تمنيت أن أقرأ صفحات معدودة أنا الذي أمتلك مئات الكتب! ، أمسكت كتابا تلو كتاب ولكنني لا أتجاوز المقدمة حتى أرمي بالكتاب بعيدا عني ، إلى أن ذهبت مرة لزيارة صديقي..
كنت قد أردت أن أسترد منه كتابا استعاره قبل مدة من الزمن على أمل أن أعيد قراءة هذا الكتاب وأنهي الدوامة التي أعيش فيها من عزوف عن القراءة وحالة نفسية سيئة لازمتني لأكثر من شهرين ، واسترددت منه الكتاب فعلا ، وخرجت من عنده راجعا إلى المنزل ؛ حين وصلتني رسالته فجأة وأنا لم أتجاوز الحارة التي يسكنها بعدُ ، وهو يطلب مني أن أعود إن لم أكن قد ابتعدت عن منزله  فقفلت عائدا إليه.
هناك تسامرنا كثيرا... كثيرا جدا ، ثم طفقت أقلب الكتب في مكتبته ، وكانت المصادفة أن رأيت الكتاب الذي تحدث عنه مرارا ويتصادف أن يكون أحد قد استعاره منه حين أريد استعارته ، وجدت "الضوء الأزرق" على الرف فأخذته وجلس يحدثني عنه.
استعرت منه الكتاب وعدت إلى منزلي ، وخلدت إلى النوم مباشرة.
في صبيحة اليوم التالي ، فتحت الكتاب ؛ ولم أنتبه إلى أنني استرسلت في قراءته حتى رأيت فجأة أنني تجاوزت الأربعين صفحة من القراءة! . كيف يعقل هذا وأنا الذي ظللت أحاول منذ أكثر من شهرين أن أقرأ بضع صفحات ولم أستطع!!.
علمت أن رحلتي مع الكتاب ستكون مختلفة وعظيمة وفريدة ، وهأنا أكتب عنه بعد أن استغرقني الكتاب ساعات لا أعتقد أنني سأنساها بسهولة.
هذا الكتاب الرائع حقا والعبقري حقا ، نستطيع أن نصفه بكلمة واحدة "الصدق". نعم الصدق ، فالصدق في الكتابة هو ما يجعل الكتاب سلسلا تقرؤه ولا تشعر بالوقت وهو يتسرب من بين أناملك ، بل وتشعر بأنك تولد ولادة جديدة تماما.
الكتاب سيرة ذاتية ، وكما يقول صديقي ؛ رغم أن حياة حسين عامرة مليئة ، إلا أنه اختزل سيرته في لقائه بصوفي من قونيه يقطن سياتل!. وهذه إشارة فذة إلى أننا قد نعيش عشرات السنين ومئات التجارب ، لكن تجربة واحدة يمكن لها أن تختزل المعنى من تلك السنين وتمنحنا عمرا فوق عمرنا وحياة فوق حياتنا ، بل هي تقلب حياتنا رأسا لنرى العالم الاستثنائي نحن العاديون ، لا أن نكون استثنائيين في عالم عادي -كما يقول المؤلف-.
في هذه السيرة المختلفة ، أضمن لك بأنك لن تشعر بالملل أبدا ، بل وأضمن لك بأنك ستراقب قطرات المياه وهي تتساقط من الدش وأنت تستحم ، وترى الأرانب والزرقة كما رآها "بري" ، ولربما تجلس مع "بري" و"دون" و"سوزان" و"ماري" وحسين البرغوثي بالطبع ، وتشاركهم أحاديثهم ومسامراتهم ونقاشاتهم ، ولربما جلست على قارعة الطريق تراقب ضوء مصباح الشارع كما كان يفعل البروفيسور الأمريكي في رام الله.
هل شعرت يوما وأنت تقرأ الصفحة الأخيرة من كتاب ما ، بأنك ستعود لقراءته مرة أخرى؟. هنا ستشعر بذلك حتما.
أما بالنسبة إليّ ، فإنني عالجت روحي بهذا الكتاب ، ورأيتني أولد من جديد ، ولا زلت متعجبا كيف أمكن لي بأن أقرأ كتابا كاملا في يوم واحد ؛ بعد فترة طويلة صارعت فيها عزوفي عن القراءة!. وكتاب فعل هذا بي ، أثق بأنه قد اخترق روحي وأعادني إلى الحياة مرة أخرى..
حسين البرغوثي ، حسين الجميل ، حسين الأزرق.. فلترقد بسلام في مثواك ، وليعد الطائر الأزرق إلى عشه في الجبل الشاهق والنمر إلى عرينه ؛ فأنت ملك لا يليق بك الوكر ، العرين وحده من يفعل.. العرين

تعليقات

المشاركات الشائعة