المسرات والأيام - مارسيل بروست
ياللبهجة التي تغمرني
أنا المتوسد شواطئ لذة الاكتشاف
أجني أصدافا نادرة وحصوات فريدة
أتقلب في نعيم قراءة بروست!
ياللنعيم الهانئ
يالي من محظوظ
في رمضان المنصرم ، لم يكن رأس مالي سوى 46 ريالا عمانيا فقط ، وكنت أتوق لاقتناء وقراءة سباعية مارسيل بروست "البحث عن الزمن المفقود" لم أتردد كثيرا وقررت أن أستثمر رأس مالي في شراء هذه التحفة الأدبية. بدأت قراءة السباعية ، فرغت من قراءة الجزء الأول بصعوبة بالغة لصغر حجم الخط المطبوع به الكتاب ، وحين فرغت من المجلد الثاني ؛ كنت أمر حينها بحالة نفسية جعلتني أفارق القراءة لشهور إلى أن قرأت كتاب حسين البرغوثي "الضوء الأزق". بعد تلك الفترة السيئة من حياتي ، لم أتصور أنني سأعود لقراءة بروست أبدا ؛ ولكن شاءت الأقدار أن تتوق نفسي لقراءة المسرات والأيام ، فقررت أن لا تمضي هذه الإجازة دون قراءته ؛ وهأنا أجني لذة ومتعة غامرتين لم أجدهما منذ زمن طويل طويييل.
يبدأ الكتاب بديباجة لكاظم جهاد ثم مقدمة للمترجم الفذ جمال شحيّد وأخرى لأناتول فرانس وأخيرا بإهداء من المؤلف نفسه. وهذه المفاتيح الأربعة ، تشرع لنا أبواب الكتاب وعالم المؤلف ، فهي مثل الخريطة التي توضح من أين انطلق السهم/الشرارة الأولى وإلى أين المسير والنهاية ، ويالها من نهاية عظيمة جبارة خلّدت اسم المؤلف بأحرف من نار نقشها الدهر في الجبال الشاهقة لمملكة الأدب.
المسرات والأيام ، باكورة أعمال بروست في ريعان شبابه ، وهي المخطوطة التي انطلق منها فيما بعد لتأليفه السباعية الخالدة "البحث عن الزمن المفقود". وإن كنت قد لاحظت شيئا من قرائتي لبروست ، فإن معجمه الغزير (الشكر للمترجم أيضا الذي لولاه لما شعرنا بجمال الكتاب) المنساب لهو معجم عذب رقراق ، فكما تداعب الريح خصلات شعرك ، كما شعور الطفل وهو يركض عبر المنحدر ، كما الاستلقاء على ظهرك وموج البحر يرفعك ويخفضك ؛ هكذا يداعب بروست كلماته ، وهكذا يتلقاها القارئ ، فهي منبثقة من ريشة فنان حصيف لا ينحت الكلمة بحثا عن الإلغاز بل يخلق فراشات وزهورا حيثما ضربت ريشته.
ولربما وجد قارئ الكتاب أن أسلوب بروست مختلف عمن سواه ، فتحدثه نفسه بترك الكتاب وقراءة شيء آخر ؛ لكن كتاب بروست –كما ذكرت سابقا عن رواية نجيب محفوظ- يُقرأ كما صعود الجبل ؛ فاللذة النابعة من محاولة الفهم في البداية ، تعقبها متعة غامرة بعد أن تعتادَ أسلوبَه الفريد.
ومن لا يجد القدرة على قراءة هذا الكتاب ، فليفتح أي صفحة من بداية باب "الحسرات. أحلام يقظة بلون الزمان" ص163 إلى "أشرعة في المرفأ" نهاية ص 215 وأضمن له أن يكتشف نصا ثريا ، اقتباسا عظيما ، بصيرة نافذة ، أو على أقل القليل ؛ شعورا غامرا لا يعرف كنهه ومعناه.
عشت مسراتٍ وآلاما ، عشت حياة كاملة هنا ، تأملت ، تألمت ، ضحكت ، سخرت ، تقمّصت ؛ وحيث أني قد عطشت ، هأنا الآن ارتويت.
ترجمة ممتازة وعمل يستحق التقدير الجزيل لجمال شحيّد ، الكتاب لولا هذه الترجمة الفاخرة كان سيفقد جزءا كبيرا من جماله وقيمته الأدبيتين. شكرا كاظم جهاد ، شكرا دار كلمة.
بروست ، يا ممسكا بريشة من نار ، هأنا أنحني إجلالا لما أبدعت.. فلترقد بسلام.
@eagle_eyes_
1:55 AM فجر الجمعة
29 Nov 2019
تعليقات
إرسال تعليق