رواية المحيط الإنجليزي/ فريد رمضان - قراءة
قبل أيام ، تلقيت دعوة من مبادرة شبابية لأدير حوارا حول رواية لمؤلف خليجي ، وبأمانة شديدة لم أكن متحفزا لأدير الحوار ؛ ثم اعتبرتها فرصة لأعود إلى القراءة بعد انقطاع لفترة طويلة بسبب الضغط الهائل من العمل واختلال المواعيد بسبب حظر التجوال -ربما تكون أسبابا غير حقيقية!- ، وكانت فرصة رائعة اكتشفت فيها عملا أدبيا جادا جديرا بالقراءة والتمحيص والإشادة طبعا.
تتمحور الرواية حول العبودية كحجر أساس وما يرافق هذا المحور من موضوعات جانبية تكوّن الملاحق المرتبطة بمسألة العبودية والرِّق. وتدور أحداث الرواية في خمسة أمكنة رئيسة ، جوادر ، شرق إفريقيا ، عمان ، البحرين ، مكة المكرمة وأمكنة أخرى أقل ظهورا ؛ وليس المكان بذي أهمية في العادة ، ولكن روايةً كانت نواتها خبرا حقيقيا -كما ذكر المؤلف ذلك في موضع خارج الرواية- تفاعل المؤلف معه ورأى ما يربط بين ذلك الخبر والواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي عاشه ؛ كل ذلك جعله يبدع عملا رصينا ممتعا في الآن ذاته.
وبما أنني أعيش في القُطر الذي حصلت فيه أحداث الرواية ، فإنني فهمت وأدركت وربطت بين أحداث وقعت وأخرى لا زالت تبعاتها موجودة حتى اليوم ؛ كما أنني أحيي المؤلف على ما بذله في الرواية من جهد لا يدركه سوى من عايش وعرف حقيقة الواقع المتواشج مع الرواية ، كما أنه ذكر عادات وطبائع عمانية محضة لا تزال حاضرة حتى الساعة رغم كون المؤلف من بلد آخر-بحريني الجنسية-.
تتنوع المشاهد في الرواية تنوع الحياة ذاتها ؛ فمن البحر والسفر ، مرورا بالعبودية والرق والخوف ، انطلاقا إلى حياة كاملة لا حدود لمواقفها وحيثياتها.
ففي العبودية وحدها واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان ، نجد مشاهد متكررة تبدأ بالعبيد المقيدين في الجزء الأسفل من السفينة ، ولا تنتهي إلا بالاستعباد المغلف بأغلفة أخرى "مشهد تصوير ماثيو ، مشهد تصوير الأميرة الإنجليزية لجيكوب/يعقوب". كما أن القضايا المبثوثة في هذه الرواية سُبِكت سبكا محكما يجعل المرء في حيرة من أين يبدأ بحثه وأين ينتهي. وكي لا أتفرع كثيرا ؛ أسرد بعض الموضوعات المطروقة في الرواية:
-الرِّق ، العبودية -كمسألة عادية ووضع مستشرٍ-
-الاستعمار ، التبشير
-البحر ، كمورد للرزق والوسيلة الأفضل للسفر ونقل البضائع
- المجتمع القبلي وتكوينه (الرشيد ، الإمام/المطوع ، الخرافة ، المقدس ، الجهل ، الطموح ، الرعونة)
-الجهل والخرافة ، شخصية "حارب" أنموذجا صـ184ــ مسألة القرين -الصرع ، والهلاوس والحالات النفسية- التي كانت تعالج وتصنف على أنها من موضوعات العالم الآخر -الجن- ويتطلب شفاؤها بخورا واستحضارا للأرواح
-العاطفة ، الزواج ، الجنس
-الحرية ، الحرية وعلاقتها بالمال ، الحرية الدينية -حرية المعتقد-
-العلمي البحت في مواجهة العلم المشوب بالتأويل -العلمي بالتأويلي على حد قول المؤلف-
-السفر
-الوراثة
- التصوف
- سرقة الآثار
-تجنيد المجرمين صــ331
-مكائد المستعمِر صــ377 أنموذجا
-ولادة الأسطورة "قصة الممرضة روث" أنموذجا صــ376
وفي العموم ، تتجلى للقارئ أحداث لا يمكنه نسيانها ؛ فيما تمر أحداث أخرى وكأنها لم تكن -كما في الحياة الحقيقية تماما-. انفجار السفينة.. الأسماء.. الصراع الداخلي النفسي .. المبدأ والواجب.. الازدواجية الشخصية (الأفعال ضد المعتقدات).. المستعمر.. الحرية المشروطة.. الدسائس وغيرها الكثير الكثير.
أشعر أنني بصدد الكتابة عن عالم متكامل حقا ، ولهذا بالذات لن أتفرع -أكثر مما فعلت على الأقل- أكثر.
تتبدى للقارئ لحظات التردد عند المؤلف في مواضع عدة. أحيانا تشعر أنه يستعمل أسلوب الآيات -بل ويستعمل الآية بما هي آية- ثم يتراجع فجأة وكأن النص مجذوم. كما تظهر جليا الفوارق في الأسلوب والتي أُرجِعُها إلى كون المؤلف كتب هذا العمل في أوقات متباينة -زمانيا على الأقل-.
في العموم ، يليق بمؤلف مثل فريد -رحمه الله- أن يودع هذا العالم بتحفة "فريدة" تشهد له وعليه بالقلم السيّال والأسلوب البديع ، والحبكة الرائعة.. لروحك السلام
تعليقات
إرسال تعليق