كتاب عين الأدب والسياسة و زين الحسب والرياسة لأبي الحسن علي بن عبدالرحمن بن هذيل
يجد القارئ بين فينة وأخرى
كتبا يعتبرها كنزا طالما بحث عنه
وبعض هذه الكنوز تكسر
المجاز ، ويصبح الشيء الخيالي حقيقيا جدا! ، فيصبح الكتاب الكنز الذي نريد حفظ كل
كلمة فيه ، وننشر كل عبارة منه ، ونتمّل بكل ما فيه من خير ، ونستبصر به كل شر ،
ذلك الكتاب الذي ظننا أنه يندرج تحت المجاز والخيال ، وأن كتابا كهذا لا يوجد في
الحياة الحقيقية ؛ ثم تقع على أحد هذه الكتب التي تعدها كنزا عظيما ، لكن هذا
الكنز أحد تلك الكنوز التي تريد لكل إنسان في الكون أن يطّلع عليها ويستفيد منها
ويستلذ بها ويتقلب في نعمائها. وأن ينعم بحفظها ، ويستذكر خيراتها ويدخرها للقراءة
السنوية -إن لم تكن من الكنوز التي نخاف عليها ونراقبها كل يوم- فتحيي ما كان ميتا
من روحه ، وتخضّر ما يبس واصفرّ ، وتبلل ما قحط وأجدب ، وتروي ما عطش وتاق إلى
الارتواء.
كتاب عين الأدب والسياسة
و زين الحسب والرياسة لأبي الحسن علي بن عبدالرحمن بن هذيل -أحد أعلام القرن
الثامن الهجري- أحد تلك الكنوز بلا شك.
كما هو عنوان الكتاب ، فإنه
مداره حول الأقسام الأربعة الواردة في عنوانه ، وإن أردنا توصيف واسطة العِقد
للكتاب ؛ فإنها الأخلاق العالية والخصال الشريفة التي إن تخلّق بها المرء ، جمع
الحُسن كله والخير وافره وأقلّه ، فبلغ الدرجات العُلا وسمت روحه لكل علاء ، ورأى
عرش الألوهية ، وقطف الثمار الجنيّة من بساتين المعرفة العُلوية.
وليس خيرٌ يجتنيه المرء من
كتاب حكمة ، ومجلّد تجربة ، وفصيح عبارة ، ولطيف إشارة ؛ كما يجده في هذا السِّفر
الزاهر ، ذي النور الباهر ، لكل مسترشد وحائر ؛ ليبلغ جنة الطمأنينة وفردوس
السكينة ، لنفسه القلقة المسكينة.
طُبع الكتاب في لبنان ،
واشتراه عماني من المدينة المنورة ، ليهديه المشتري إلى رجل يعمل في الجامعة ،
فمنح الرجل كتابه للجامعة ، ثم عرضت الجامعة هذا الكتاب في معرض للكتب المستعملة ،
فوصل إلي من هناك!. لم تكن هذه الرحلة التي استغرقت أربعين عاما -تمت طباعة الكتاب
عام 1981م- لأقوم بقراءته في بيتي بعد ذلك ، لم تكن هذه الرحلة مصادفة بتاتا ، بل
هي لسبب ما قد أعلمه وقد لا أفعل! ، كما هو الحال تماما مع كل من يقرأ هذه الكلمات
الآن.
أعترف أن القراءة من
مجلد قديم وتصحيح الأخطاء الكثيرة فيه ، مهمة شاقة صعبة ؛ لكن ما يجتنيه المرء من
قراءة كتاب كهذا ، بل وما يجنيه من تطبيق ما قرأه فيه ، حكمة بالغة وحياة طيبة
وسيرة خالدة حسنة.
هذه الحكمة المخزونة ،
جعلتني أقارنها بما قرأته/أعرفه في الفلسفة الحديثة ، وتجلت لي أسماء يتشدق مثقفو
الحداثة بذكرها -أقصد أؤلئك المنفصلين تماما عن هويتهم الثقافية العربية والأوفياء
لكل اسم غربي مقابل أي مؤلَّف/مؤلِّف عربي- وأراها وهي تنال الحظوة والتصفيق
وكأنها كشفت الغطاء عمّا لم تعرفه البشرية من قبل ، أو لم يذكره أحد في كتابه!.
تذكرت برديائيف ودويستويفسكي وهيرمان هسه وحتى ابن خلدون -لأن ابن هذيل ذكر شيئا
يخص نظرية ابن خلدون ، قبل قرن تقريبا من ولادة ابن خلدون نفسه!- وأنا أنظر في
الكتاب وأقرؤه.
كتاب يجدر بكل من له
رغبة في السمو بروحه ونفسه وخلقه أن يقرأه ، وفيه ما لا يسع ذكره ولا تسعف الذاكرة
على تذكره ، ولكنه في العموم أحد تلك الكتب التي تريد ، بل وتحتاج لأن تقرأها كل
سنة ؛ وكأنها دليل للحياة ومسلك للنجاة.
طابت روحك يابن هذيل كما
طيّبت روح من قرأ كتابك
أراني أتمثّل بقول الشاعر:
وتُذْكَرُ أخْلاقُ الفَتَى وعِظامَهُ ***
مُغَيَّبَةٌ في اللَّحْدِ بَالٍ رَمِيمُهَا
وكما قال ابن دريد في مقصورته:
وَإِنَّمـا المَـرءُ حَـديـثٌ بَـعـدَهُ *** فَكُن حَديثـاً حَسَنـاً لِمَـن وَعـى
علاءالدين الدغيشي
@eagle_eyes_
11:50 PM
| 3/يوليو/2021
تعليقات
إرسال تعليق