قصة الحُرِّ وأبيه النعمان!
كان "الحُرُّ" طالباً في الصف الرابع الإبتدائي ، و كان أبوهُ "النعمان" ذو الستينَ عاماً موظفاً يقضي آخِرَ سِنِيِّ عُمره في عَمله الوظيفي...
ذات يومٍ طَرَقَتْ أُذنا الحُرِّ أخبارٌ عن بلدٍ من البلدان يتم تدميره من قِبَلِ جيرانه! ، فاندهش الطِّفلُ " الحُرُّ" ذو العشرة أعوام مما سَمِعَ! ، و تَحَرَّقَ شوقاً للعودة إلى البيت ليُسامِرَ أبيه و يُسائِلَه كما جرت العادة أن يفعل!.
رنَّ الجَرَسُ فجأةً معلناً نهاية المدرسة قبل الوقت الذي اعتاد عليه الطلبة! ، فَعَلِمَ " الحُرُّ" أنَّ ما سمعه صحيحٌ حقاً! و أنَّ أمراً غيرَ اعتياديٍ يحصُلُ!.
عادَ "الحُرُّ" إلى البيت و بعد الغداء جلس "الحُرُّ" و "النعمان" سوياً.
فقال الحُرُّ لأبيه:
يا أبتي ، ألسنا عرباً؟
قال النعمان:
بلى يا بُني!
فأتبَعَ الحُرُّ سؤالَهُ بسؤالٍ آخر:
ألسنا مسلمين ؟
فرد الأب:
نعم نحنُ كذلك! يا بُنَي..
لم تتوقف أسئلةُ "الحُرُّ" فقال لأبيه و علامات الدَّهشة و التَّعجب تبدو على مُحيَّاه ، كيف لمسلمٍ و عربيٍ أن يقْتُلَ مسلماً و عربياً مثله! ، و بل و جارهُ أيضاً!! .
أطْرَقَ النعمان رأسه صامتاً متعجباً مِن كلامِ ابنهِ ذو العشرةِ أعوامٍ!
و بعدَ صمتٍ مُطْبِقٍ..
قال النعمان لابنه الحرِّ:
يا بُنَيَّ ، الدنيا أرضُ المتغيراتِ ، و مليئةٌ بالنِّفاق !
يا بُنَيَّ ، إنَّ الظالمَ سيُظْلَمُ يوماً ، و القاتِلَ بغيرِ حقٍ سيُقْتَلُ كما في القانونِ الإلهي العادلِ.
يا بُنَيَّ ، إنَّ الإنسانَ إذا استشعرَ قوَّتَهُ ، لابُدَّ أن يتذكَّرَ أن تِلكَ القُوَّةَ ستتحولُ إلى ضعفٍ يوماً ما ، و أنَّ الضعيف سيتحرر من ضعفه ليصبحَ حُرَّاً قوياً لا يهابُ أحداً ، و يأخذَ حقَّه بيده.
فكَّرَ الحرُّ في كلمات أبيه ، ثم لاحت له خاطرةٌ فصرَّحَ بها لأبيه قائلاً:
لكن لماذا يقتلُ المُسلِمُ المُسلِمَ يا أبي!! ، و هل تعني كلمةُ "مذهب" دِيناً آخرَ يا أبتي؟
ردَّ النُّعمانُ على ابنه الحرِّ و قال:
إنَّ المسلمَ لا يجوزُ له قتلُ أخيهِ المسلمِ بغيرِ وجه حقٍّ ، و إنَّ المذهبَ كلمةٌ تعني التوجه و في الإسلام ، المذاهبُ هي الآراءُ الفقهية و العقدية التي إلتزم بها أحد كبار العلماءِ في القرنين الأول و الثاني الهجري فَتَبِعَهُ طائفةٌ من الناس واستمرت تلك التبعيَّة إلى يومنا هذا -هذا التعريف بشكل مبسَّط و ليس تعريفاً معتمداً- ، و المذهب هو ابنٌ للدينِ فالإسلام هو الأصل و المذهب فرعٌ من ذلك الأصل ، و لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يقتُلَ مسلماً لأنَّهُما يختلفان في المذهب!.
قال الحرُّ:
إذن لماذا يَقْتُلُ أفرادُ المذهب الفلاني أفرادَ المذهبِ الآخر يا أبي!!
أجاب النُّعمانُ إجابةً شافيةً أنهت الحوار بين الأب و ابنه فقال:
إنَّ الإنسان إذا استمع لكلام الشيخ الفلاني و رجل الدين الفلاني دون أن يُفَكِّرَ بعقله و يستفتي قلبه ، فسيسير في نفقٍ مُظلمٍ من الجهلِ الدامس و ستكونُ حياتهُ مجردَ مسرحيَّةٍ يلعبُ فيها الأدوار التي يريدها لهُ ذلك الشيخ أو رجل الدين و كلٌّ حسبَ هواه و شهواتِ نفسهِ!
و هذا الكلام لا ينطبقُ على جميعِ المشائخِ أو رجالِ الدِّينِ ، بل ينطبقُ على المتشدِّدينَ منهم و المتطرفين ، و هذا التشدُّدُ و التَّطَرُّفُ أساسهُ الجهلُ حتى و إن ظَهَرَ للناسِ أنَّ ذلك المتشدِّدَ أحدُ أهلِ العلم و الفهم!
ثم إنَّ الإنسانَ يا بُنَيَّ حينما يَوَدُّ أن يتبعَ مذهباً معيناً و فِكراً ما ، يجبُ عليه أن يتبع عقْلَهُ قبلَ قلبه و أن لا يكون مجرَّد بهيمة تُساقُ إلى حيثُ شاءَ الرَّاعي دونَ أن تعلمَ ما ينتظرها!
و كُلُّ هذه المعمة يا بُنَيَّ سببها الجهل و عدمُ القراءَةِ و سببها عدمُ التَّفْكُّرِ في كتابِ الله و آياتهِ ، فإياكَ ثم إياكَ أن تكونَ مثلَ هؤلاءِ ، يعيشونَ كما يُريدُ لهم غيرهم أن يعيشوا لا كما يُريدُونَ هم!
ثمَّ إنَّ القراءةَ يا بُنَيَّ هي من ستصنعُ مِنْكَ رقماً صعباً في معادلةِ الحياة و هي من ستجعَلُكَ حُرَّاً حُرَّاً حقيقياً كما سمَّيتُكَ يا بني من قَبْلُ "الحُرُّ".
دامت بلادُ المسلمين في خيرٍ ، و أسألُ الله أن يتحرر المُسلمُونَ من ربقة الجهل و ظلام التَّبعيِّةِ العمياء ، و جعلنا اللهُ و جميعَ بلادِ المسلمينَ في خيرٍ و رخاء و أمانٍ و هناء.
________________________
كتبتُ هذه الكلمات لعلها تُلامسُ قُلُوباً حيةً ، و عُقولاً ذكيةً.
علاء الدين بن محمد الدغيشي
Insta:
Eagle_eyes_
Facebook:
علاء الدين الدغيشي
تعليقات
إرسال تعليق