صناعة الإلحاد!

إن المتأمل البصير ، يرى الإنتشار الهائل لظاهرة الإلحاد في جزيرة العرب -مهد الإسلام- وفي العالم الإسلامي جميعا! ، ولا ينكرها إلا مُكابِر على الحقائق.

ولا يخفى على ذي تَدَبُّرٍ هذا الحال المُزري والصعب ، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة وكلها "بالأحمر العريض"!.

من هي الفئة الأكثر إقبالا على الإلحاد؟
لماذا يُلْحِدُونَ؟
حلول يمكنها علاج هذه الظاهرة -السلبية للأسف-.

سأجيب عن هذه السؤالات ولكن بعد تنويه مهم للغاية ، وهو أن النقد يهدف للإصلاح لا للهدم ، وبالنقد نضع أيدينا على موضع الجرح لنُطَبِّبَهُ سويا.

من يرى ويطّلع على الإحصائيات الرسمية ، يجد أن الشباب هم أكثر فئة تتأثر بهذه الظاهرة!.
يعيش الشاب في مقتبل عمره صراعا عميقا ، صراعا وجوديا ، صراعا نفسيا محضا ؛ هل الله موجود؟ ، إذن لماذا لا يبيد الله هذا الشر من العالم؟ ، إذن لماذا ينتصر الظالم في حربه على المظلوم ولا يتدخل الله بقوة اللامحدودة ليقطع يد الظالم عن مظلومه! ، إذن لماذا المرض ، الخوف ، الفقر ، الحزن وغيرها من المصائب موجودة ما دام الله موجودا؟؟.
هذه التساؤلات كثيرا ما تتردد في خواطر الكثير من الشباب ، ولكنهم يُخفونها بل ويُطبِقُون عليها الأقفال الموصدة ، فلا يُصَرِّحون بها لأيٍ كان ، ولا يُبْدُونها لأي إنسان ؛ فما السبب يا تُرى؟!.
السبب ، هو أن كثيرا ممن يثق بهم الشباب غير مدركين لهذا الصراع النفسي الوجودي العميق ، فيأخذونه من جانبه المظلم ويُحكم على الشاب بما يريد أن يُوقَى منه "الإلحاد" ، فيوصم بالإلحاد وهو الخائف منه! ، ويوصف بالإلحاد وهو الهارب منه!! ، ويُعامل على أساس أنه ملحد زنديق -والعياذ بالله- لا على أنه باحث عن طمأنينة الإيمان وهارب من أرق الأسئلة الوجودية العميقة.

وهنا تظهر عَيَانًا أسباب إلحاد الشباب ،
فهم بين مطرقة التشدد والغُلُوِّ وسندان الكتمان وتَلَقُّفِ الملحدين له! ، ولا ننسى المادية المقيتة للقرن الحادي والعشرين.
نعم ، إن التشدد أحد أسباب هذه الظاهرة والذي كثيرا ما يتم التغاضي عنه ويوصم المتحدث عن هذا السبب بالذات ، بأنه مُغْرِضٌ حقودٌ على الإسلام وأهله! ، فكأنما الغلو هو الوجه الآخر لعملة الإسلام!.
ويا لهذا التصور المقيت لهذا الدين العظيم.
ندخل مباشرة في الدور الذي يلعبه الغلو في إلحاد الشباب ، فالشاب قد يذهب إلى أحد المتشددين يشكو إليه حاله وما يؤرقه من أسئلة ثقيلة ينأى عن حملها فيتلقى صفعة قوية وصدمة صاعقة ، فبدلا من أن يجد العلاج الذي يوصله لبر الأمان ، يجدُ الأذى النفسي والجسدي ربما!!.
فتُلصق به تهمة الإلحاد ويعذب بسبب هذه التهمة فتتكون لديه صورة قاتمة عن الإسلام ، فإذا كان هذا الذي ذهب إليه للعلاج ويعتبره قدوة وناصحا يعامله هكذا ، فإن هذا الأمر لا بد وأن يكون مصدره مصدرا واحدا ، ألا وهو الإسلام!! ، فتُصبح التهمة حقيقة حينها ويُصبح الشيء الذي كان يهرب منه واقعا يعيشه ويتغلغل بداخله وهكذا يصبح التشدد والغلو المتطرف سببا في نقيض الإيمان.

السبب الثاني
بينما ينام المسلمون في فُرُشِهِم الوفيرة ، يعمل قادة الإلحاد على نشر فكرهم وأيدلوجيتهم في الأوساط الشابة المتعطشة للمعرفة ، فالشباب بطبعهم باحثون عن المعرفة ويبحثون عن جديد العلم ، فيستغل الملحدون هذه الثغرة التي كانت وهمية فأصبحت بالتكرار حقيقة مترسخة في قلوب الكثيرين ، وهي أن العلم هو الوجه الثاني لعملة الإلحاد!! ، ويستدلون ويستعينون بعلماء لهم صيتهم المعروف وعالميتهم كعلماء ثقات في العلم الذي يبرعون فيه ، فمن الفيزياء والفلك إلى الأحياء والطب ، يُصرِّح علماء هذه العلوم عن إلحادهم بل ويصبحون -الراعي الرسمي- للإلحاد في العالم أجمع -ولا داعي لذكر الأمثلة- .
ولكن ، هل هؤلاء العلماء الملحدون يستغلون علمهم المحض في نشر هذه الظاهرة؟؟
قطعا لا!.
فهم يعتمدون ويرتكز مشروعهم على الخرافات الملتصقة بالأديان السماوية ، فليس الإسلام وحده من يعاني من الإلحاد! ، ولكن جميع هذه الأديان تعاني منه وهو العدو الرسمي لنقيضه "الإيمان" فلا تهم العقيدة التي تعتنقها بقدر الإهتمام بزعزعة وتقويض "إيمانك" مهما كانت ديانتك.
وتمثل الخرافات المتوارثة والتي لم تُمَحَّص ولم تُقتلع من معتنقي هذه الأديان ، الركيزة الأساسية للمشروع الإلحادي.
فهم يصورون الأديان من منظور الخرافة وحدها ويصبون جامَّ تركيزهم على الخرافة بمنأى عن أي جانب آخر لذلك الدين ، ويحيكون خيوطهم حول فكرة أن الخرافة لصيقة بالدين ؛ إذن فالدين خرافة!!.
ويعملون على هذه الفكرة لتوصيلها للعقل الواعي واللاواعي للمتلقي حتى تتغلغل في صميم روحه ويُصبح معتنقا لها.

السبب الثالث
المادية وما أدراك ما المادية ؛
مفهوم المادية مفهوم فضفاض جدا ، ولأنه كذلك كثيرٌ من المغالطات تبتعد عن مفهومه الحقيقي وتبعات هذا المفهوم ، فيساهم المرء في ترسيخ المادية في منصبه إبتداء من الأب والمعلم إلى المناصب العليا بعلم أو بغير علم!.
فالأب والمعلم ينشئان فكرة جوهرية عن الحياة ويُشْرِبَانِهَا للطفل والشاب فتنمو معه وكثيرا ما يورثها لأبنائه!. وهي أن قيمة الحياة ، بقيمة المادة التي تمتلكها ؛ فيصبح الإنسان وحشا ضاريا يعدو عدوا في هذه الحياة يلهفُ ما أمامه من مادة ويكرس وقته وجهده وتفكيره في كيفية تجميع أكبر قدر من المادة ، فتُصاب الروح بنقص نمو حاد يتسبب لها بالوفاة في آخر المطاف!.
وحين يحصل هذا الوحش على كل متطلباته ، يصل لمرحلة التشبع المادي ولا يعلم أن روحه ماتت مذ قرر أن يصير وحشا! ، فيصل لمرحلة من العَدَمِيَّةِ لا يرى فيها الرب بتجلياته العظيمة فقُد طُمس ذلك المنظار الروحي وتبقت لديه النظَّارة المعتمة فتصبح الطبيعة حينها هي الرب والمصرف للأشياء! ، ويموت في وجدانه الرب العظيم وكل ذلك بسبب المادية المقيتة التي كَرَّسَ حياته لأجلها.

ما الحل يا تُرى؟!.
إن الحل هو المنظومة الشاملة المتعاونة فيما بينها لتجديد الرؤى والطرح والأفكار فنحن في عصر العولمة والعلم و وَلَّتْ عصور (اسمع وأطع ولا تتفوه بكلمة) ، فالنقاش والحوار المرن أحد الحلول والطرح العلمي -الموازي للجانب الروحي- للمنظور إليهم من الخُطَبَاء والمؤثرين مهم للغاية في هذه المرحلة الحرجة التي لم تعد للمنصة العالية والصوت المرتفع دور فيها ، بل أصبحت منصات التكنولوجياهي اللاعب الأساسي والورقة الرابحة لإيصال كل الرسائل البَنَّاءة والهدَّامة على حد سواء ، ومتى ما توافر الطرح العلمي المنهجي والمُطَعَمِ بالجانب الروحي في هذه المنصات الإلكترونية ، توافرت أسباب النجاح في نشر الفكر الصحيح والوجه المشرق للإسلام وتقلَّصت الثقوب السوداء لمنصات الإلحاد.

فهل يا تُرَى سيعي المنظور إليهم هذا الأمر؟! ، وهل هناك عمل حقيقي على هذا التوجه الجديد؟؟ ، الأيام كفيلة بالجواب عن هذه التساؤلات وغيرها.
"و إن غدا لناظره قريب."

علاء الدين الدغيشي
Instagram:
@Eagle_eyes_
Facebook & twitter :
علاء الدين الدغيشي

تعليقات

المشاركات الشائعة