سبقك العرب يا بيترسون | 20 مارس 2025
"العنصرية هي المعتقدات أو السلوكيات التي تُعلي من شأن فئةٍ ما، بناءً على عناصرَ موروثةٍ مرتبطةٍ بطبائعِ الناس أو قدراتهم، وتستند أحيانا إلى لون البشرة، أو اللغة، أو الثقافة، أو العادات، أو المعتقدات. وتُصنّف المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية "جريمة الفصل العنصري" ضمن الجرائم على الإنسانية التي تخضع لولايتها القانونية. وتُعرّفها بأنها أية أفعال غير إنسانية ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام". وذلك وفقا لموسوعة شبكة الجزيرة الإعلامية.
"عند الشدائد تظهر معادن الرجال" لطالما مثلت هذه العبارة إحدى المعايير التي يُرجَع إليها عند الشدائد والاضطرابات والأحوال الصعبة الهائلة، كما تكررت في غيرما قصيدة ومقطوعة شعرية يتداولها الناس ويلهجون بها. ولطالما مثل العلماء ميزانا مختلفا عن الميزان العام الذي تحتكم إليه الدول والعسكر، فهم منحازون إلى الحق لا الحقيقة، وإلى الإنسان -كل إنسان- دون اعتبارات تراتبية أو مقاييس اجتماعية. فكل نفس ثمينة ولها قيمتها وقدسيتها أكانت نفس الفقير الضعيف، أو الجاهل الحائر، أو الغني القوي، أو العالِم المستبصر؛ كل هؤلاء متساوون في قدسية النفس الإنسانية وحفظها من التلف المقصود المتعمد، وإلا فإن تلفها العارض ومصيرها المشترك آتٍ لا محالة.
يقرأ البعض الوقوف بوجه السلطة على إطلاق ذلك الوقوف أنه النضال السليم الذي ينبغي أن يُدعم ويُناصر، بينما يرى آخرون بأن الوقوف في وجه المظالم وحدها هي ما يستحق الدعم والمناصرة. وينسى المرء وهو يسمّي الأشياء والناس أو يَسِمُهَا، بأنهم بشرٌ مثله. فالسلطةُ مجموعةٌ من الناس في بيئة ما، وهم من تلك البيئة ومن تربتها، ولا تخلو تربة من الحشائش الضارة والأشجار المثمرة، جنبا إلى جنب وفي بقعة واحدة، بل وتَمْتَحَانِ مِن مَعينٍ واحد. بالنسبة إليَّ، أرى بأن العلماء الحقيقيين هم ميزان العقل في الدول، فهم من يحفظون الأرواح ويراعون مصالح الناس؛ لأنهم يرون الآتي والمستقبل بعين البصير الذي يرى آثارَ الفعلِ قبلَ الفعلِ ذاتهِ، كما أنهم مُتَّبَعون يستمعُ إليهم الناس ويطيعونهم. ولكنَّ العلماءَ كونهم من الناس وأطباعهم من أطباع الناس الذين يعيشون بينهم، فهم معرضون للفساد واتباع الهوى والمصلحة والمنفعة، فلماذا يُصدم الناس من علماءَ ولا يُصدمون من آخرين في منزلةِ العلم ذاتِها؟. إنَّ الصدمةَ تكونُ على قدرِ التوقُّعِ والآمال، فمتى رأينا جرَّاحًا في القلب، فإننا لا نتوقع منه أن يقطعَ شريانَ امرئٍ وفقا لعُمره أو دِينه أو لَونه متعمدا لذلك قاصدا له. ومتى رأينا عالما في النفس، فإننا لا نتوقع منه إلا أن يكون البصيرَ العارفَ بكوامنِ النفسِ، وتأثيرِ الخطاب على الأفراد والمجتمعاتِ بل والسياسيين الذين يصنعون الخطابات ويستعملونها في مآربهم السياسية. ولأن الحروب تكشف المؤثرين وتصدم الناس بهم، فقد سقطت أهلية كثير من العلماء والفلاسفة والمفكرين بسبب عنصريتهم، وتعرضت أطروحاتهم وآثارهم للنقد بعد النقد والتمحيص فوق التمحيص، لأنها لا تخلو من تحيُّزٍ لا يصلح معه أن يؤخذ كلامهم على عواهنه، رَغم معرفة الجميع بعلمهم.
يمثل عالم النفس الكندي جوردان بيترسون علامةً فارقةً في علم النفس الحديث، فهو العالم النفساني الأبرز والأكثر شهرة وتأثيرا على الناس وعلى المؤثرين والفاعلين في أنحاء العالم كله، وقد كانت الصدمة التي تسبَّب بها بعد تغريدته الشهيرة عبر منصة إكس -تويتر سابقا- وحظّه نتناياهو على إبادة الفلسطينيين؛ ما يجعل الإنسان يصاب بالذهول من ذلك العالم!. فكيف لعالم نفساني مثله أن لا يقدّر قيمة الحياة والنفس الإنسانية وقدسيتها!، فهذا مما لا سبيل إلى تصوّره وفهمه حتى. وبعد تلك التغريدة، عاد الكثير من القراء إلى كتبه وأطروحاته التي كانت قبل التغريدة تمثّل ما يمكن أن يُقال عنه بأنه علم نافع محض، فوجودوا مواطن العنصرية كامنة متخفيَّةً في التفاصيل الصغيرة، وهو ما أدى به بعد ذلك إلى التصريح بعنصريته وتقديمها في لباسٍ تبدو معها فيهِ وكأنها شيء مباح وجميل!. مما حداني إلى الكتابة عن هذا، هو مراجعتي لإحدى محاضراته في علم النفس، وكم هو عجيب أن يذكر مثالا في كلامه قد سبقه إليه المتنبي قبل قرون طويلة وأحقاب متعاقبة!، والجميل في الأمر أنه رد عليه وعلى عنصريته التي ترى في العرب والمسلمين عبئا على البشرية ومصدر استهلاك لا إنتاج، فهو كلام نابع من أحد شعراء الحضارة التي يدعي أنه ينقدها بمنهج علمي، بينما تتبدى الكراهية والعنصرية في كلامه، العنصرية الدينية والإثنية على السواء. أما قوله الذي يكاد يكون اقتباسا من المتنبي فهو المتمثل في قول أحمد بن الحسين
وما يَنفعُ الأُسْدَ الحياءُ من الطّوى ولا تُتّقى حتى تَكونَ ضَوارِيا
فالمتنبي يقول بأن على الأسد أن لا يتنكر لطبيعته المتمثلة في الصيد والافتراس، فهي لا تكون أسودا إلا بطبيعتها تلك. وهو ذات ما يقوله بيترسون في معرض حديثه عن الكيفية التي ينبغي أن يسلكها المرء في سبيل الوصول إلى قمة هرم ماسلو، مستخدما ذات المثال الذي سبقه المتنبي إليه. وسواء أكان بيترسون أم غيره ممن يشابهونه في عدم احترامهم للعلم بعنصريتهم أو بمخالفتهم لأخلاقيات العلم والمبادئ الإنسانية، واعتمادهم على التورية في سبيل صناعة العقول وصقلها بما يتماشى مع القوى والمانحين الذين يدعمونهم، فهم منكشفون لا محالة، وهم ممن ينطبق عليهم قول زهير
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
https://www.omandaily.om/article/1175273


تعليقات
إرسال تعليق