حاضرون غائبون.. | 22 فبراير 2023
افتتح معرض مسقط الدولي للكتاب أبوابه، ومع كل معرض يستذكر المثقفون والقراء أدباء تركوا بصمة حاضرة لا تبهت ولا تتقادم بمرور الزمان، أدباء عاشوا وعاصروا فترة بدايات المعرض، وآخرون لم تسعفهم الأيام ليدركوا هذا المحفل البهيج الذي يتجدد كل عام بحلته الباهرة، وأجوائه التي لا يشبهه فيها أي معرض ومحفل آخر.
من ضمن ما يتذكره المرء تتساقط نفسه حسرات عليه، ألا تكون بعض الكتب النادرة مطبوعة وحاضرة في المعرض، وعلى مدار السنين، ظلت كثير من كتب العمانيين مغيَّبة في غياهب السر وأخرى تكالبت عليها عوارض موت الكتب من مطر ورطوبة و رُمَّة وعوارض أخرى كثيرة، وظلت الأخرى حبيسة الأدراج والمكتبات الخاصة، ويشغلني أمر هذه الأخيرة أكثر.
فالمخطوطات التي تكالبت عليها ظروف الغياب والفقد والخراب، لا يد لنا فيها؛ أما تلك الكتب المطبوعة على نفقة المؤلف أو أبنائه ومحبيه، فهي مدار الحسرة والحزن، يستبشر المرء حين يقرأ أو يسمع أن المؤلف الفلاني الذي ظلت أعناق الناس مشرئبة إليه وإلى قراءة ما خلَّفه من آثار، رأى مؤَلَّفُه النور أخيرا، ولكن ما هي إلا بضع سنوات حتى يعاود ذلك الكتاب الاختفاء ويصعب العثور عليه، وهذا عائد إلى أن حقوق الطبع مملوكة لأفراد، ولا يمكن التعويل على الأفراد في المشروعات التي يُراد لها الديمومة والاستمرار، وليس ذلك عائدا إلى تغير القناعات وتبدل الأحوال والظروف وحدها، إنما يشمل موت المؤلف أو من يملك حقوق الطبع والنشر.
وهنا أقترح أن تشكل لجنة من قبل وزارة التراث والسياحة بالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وتكون مهمة هذه اللجنة تتبع الكتب المطبوعة على نفقة المؤلفين أو أبنائهم ومحبيهم، وبالمجمل على تلك الكتب التي يملك حقوق طبعها ونشرها أفراد لا مؤسسة قائمة أو دار نشر تجارية، ويُعاد إحياء سير أولئك المؤلفين وآثارهم المكتوبة، ثم تُتتَبع بقية آثارهم غير المنشورة وتطبع وتنشر. ويعد معرض الكتاب محفلا مهما يصب في مصلحة هذا المشروع، ففي المعرض يلتقي المثقفون من شتى ربوع سلطنتنا الحبيبة، ويتبادلون المعلومات والمعرفة، ونجد أن أمر هذه الكتب التي ذكرت، يشبه تماما أمر التاريخ الشفهي؛ فنادرا ما تجد معلومة كاملة صحيحة عن آثار المؤلف الفلاني الذي رحل و وري التراب، ولكنها شذرات متناثرة هنا وهناك، وبلقاء المثقفين وتعاونهم، يُجمع أكثر ما يقترب من الحقيقة.
وهي دعوة كذلك لمن يملك حقوق الطباعة والنشر لمؤلفات من رحلوا، كي يعيدوا نشر هذه الكتب أو أن يمنحوا تلك الحقوق لمؤسسة رسمية أو خاصة تمنح مزيدا من الحياة والانتشار لتلك الكتب، ومما يثلج الصدر ويبهج النفس، أن دور نشر عمانية ظهرت في السنوات الأخيرة تحمل على عاتقها إخراج كثير من هذه الكتب المنسية من حيز الظلمات والنسيان، إلى رحاب التداول والذكر والقراءة، والشيء بالشيء يذكر، فليس أجمل من أن تُقام ندوات تحكي سير من رحل من هؤلاء المؤلفين وتتناول مؤلفاتهم وآثارهم بطريقة علمية تُثري الخزنة المعرفية العمانية الأصيلة وتكون مرجعا للأجيال القادمة، فالإشكال الكبير في تناول سير من رحل -غالبا- أن المعاصرين له أنفسهم كبار في السن، وكلما تأخر وقت العمل على إحياء آثار أولئك المؤلفين، تعرضت للمعاصرين لهم حوادث الدهر من مرض ورحيل، وفقدنا بفقدهم كنزا معرفيا يرحل معهم ويستعصي على من جاء بعدهم كشف أسراره ومكنوناته.
https://www.omandaily.om/أعمدة/na/حاضرون-غائبون
تعليقات
إرسال تعليق