حياة أخرى.. | 01 مارس 2023
في هذه الفترة الزاهية من الجو الثقافي الحميمي للمعرض، يشعر المرء بالفخر والسعادة لما يراه من كتب وفعاليات ومبادرات تخدم القارئ والمثقف والمجتمع العماني بأكمله، وإحدى هذه المبادرات التي تثلج الصدر وتُدخل في النفس السرور والبهجة، مبادرة دعم الطالب الجامعي.
قبل عشر سنوات، كان هنالك مثقف مرت عليه ظروف شتى، بصعودها وهبوطها، وكان هذا الرجل يحمل في قلبه حبا حقيقيا لمصدر المعرفة القديم الساحر.. الكتب.
بدأ الشاعر والكاتب معاوية الرواحي مبادرته قبل عشر سنوات وحملت حينها اسما حقيقيا وصادقا على قدر من السخرية السوداء الواقعية، واسمها دعم الطالب المفلس. ظلت هذه المبادرة مستمرة بالعطاء مع تغيير اسمها إلى مبادرة دعم الطالب الجامعي، وتتلخص فكرة المبادرة في منح الطلبة الجامعيين كتابين مجانيين دعما وتشجيعا لهم على القراءة وكذلك حتى يتمكنوا من شراء كتب أكثر بالمبالغ التي خصصوها للمعرض، فضلا عن أن بعضهم لا يملك المال من الأساس وتمثل المبادرة له مصدرا رئيسا لنيل الكتب.
وتعتمد هذه المبادرة التطوعية بشكل كامل على الدعم العيني والمالي للكتب، ويتلخص الدعم العيني في منح الكتب المستعملة أو الجديدة للمبادرة وتتكفل المبادرة بتوزيع هذه الكتب على الطلاب.
أما الدعم المالي فيكون بمنح القائمين على المبادرة المبالغ المتبرع بها ويقومون فور استلام تلك المبالغ بشراء الكتب الجديدة من دور النشر المشاركة في المعرض، وما يختلف هنا هو أن القائمين على المبادرة يحصلون على خصم أكبر على الكتب التي يتم شراؤها للمبادرة ؛ فلو أراد شخص ما أن يتبرع بمبلغ وقدره مائة ريال عماني للمبادرة، فربما يستطيع شراء ثلاثين كتابا أو أقل إن ذهب بنفسه لدور النشر المشاركة، بينما يحصل القائمون على المبادرة من تلك الدور نفسها على عدد أكبر من الكتب يتراوح بين خمسين إلى مائة كتاب، وهو فرق معتبر وهائل ويحدث فارقا كبيرا لدعم الطلاب.
وفي هذه النسخة من المعرض كانت المبادرة في أبهى حللها وأحلاها، حيث كانت الشراكة مع شركة الاتصالات فودافون والتي دعمت المبادرة دعما محمودا وفاعلا وبحضورهم الدائم في ركن المبادرة، كما أن الشبكة العمانية للمتطوعين «تعاون» كان لها دورها الفاعل في النسخ السابقة من المبادرة، وفي هذه النسخة المميزة كذلك. فلولا الدعم الهائل والمشكور من الشبكة ذكورا وإناثا، لم تكن المبادرة لتظهر بهذه الصورة البهية الحسنة.
ومن شعارات المبادرة لهذه السنة، «منك نستلهم» و«امنح كتابك حياة أخرى»، والمرء يستلهم بحق من الأناس المعطائين الذين يبذلون الغالي والنفيس في رفعة هذا الوطن العظيم، كما أن الشعار الثاني «امنح كتابك حياة أخرى» هو شعار حقيقي وصادق، فلا فائدة من كتاب تأكله الرمة وتتراكم فوقه أكوام الغبار وهو الموت الحقيقي للكتاب، فحياة الكتاب كلها في أن يقرأه الناس ويتداولوه بينهم، بل إن حياة المؤلف ذاته بحياة كتابه، فمتى مات ذكر الكتاب مات ذكر مؤلفه.
والمقصود من هذا الشعار، أن يحضر القراء كتبهم التي لا يريدون قراءتها، أو الكتب التي قرؤوها سابقا ولا يريدون إعادة قراءتها مرة أخرى، ويمنحونها للمبادرة التي تمنحها بدورها للطلبة الجامعيين. ومما يبهج المرء حقا، أن نجد كثيرا من الناس الذين لم يكونوا يعلمون عن المبادرة من قبل، وفور علمهم بها يبادرون بالتبرع بكتب كثيرة، سواء الجديد أو المستعمل منها. وليس المهم عدد الكتب التي يتبرع بها المرء كما ليس من المهم عدد الطلبة المنتفعين من المبادرة -رغم تجاوز الكتب الموزعة ثمانية آلاف كتاب- إنما تكمن الأهمية كلها في الاستفادة الحقيقية من تلك الكتب، فـ «امنح كتابك حياة أخرى» وكن الملهم الذي يجعل لسان الطلاب يلهج بقول «منك نستلهم».
https://www.omandaily.om/أعمدة/na/حياة-أخرى
تعليقات
إرسال تعليق